التعاطف، الذي هو مصدر أخلاق الانسان.. ليس بالأصل سمة انسانية
الحيوان يشعر بالتعاطف مثل الانسان. فهو يتعاطف مع أبناء جنسه، معنا ومع الأجناس الأخرى.
لقراءة المقال باللغة الإنكليزية، اضغط هنا.
التعاطف... الشعور بما يشعر به الآخرون.. الميزة السامية عند الإنسان ومصدر الأخلاق الإنسانية والاجتماعية... جوهر الدين وأساس مفهوم الخير والشر... الركيزة الوجدانية لاختيار ما هو جيد وما هو مسيء... ماذا لو أخبرتك أن هذه السمة ليست من أصل بشري، وأن البشر ليسوا وحدهم الذين يتشاركونها؟
في بادئ الأمر، التعاطف هو القدرة على اكتشاف ليس فقط ما يشعر به الآخرون ولكن أيضًا تجربة هذه العاطفة بنفسك.. نحن البشر يمكن أن نتعاطف مع بعضنا البعض ومع الحيوانات الأخرى. عندما نتعاطف، نشعر بالآخرين ونفهم شعورهم.
في البداية، كان يُعتقد أن التعاطف ليس سوى سمة بشرية، ثم سمة موجودة فقط عند البشر والرئيسيات الأخرى، مثل الشمبانزي، وإنسان الغاب (الأورانغوتان)... إلا أن أي شخص اعتنى بحيوان أليف مثل الكلب يستطيع أن يدرك أن كلاهما قادرعلى فهم مشاعر بعضهم البعض.
في دراستها التي نشرت في مجلة Science عام 2011، وجدت عالمة البيولوجيا العصبية بيجي مايسون وزملاؤها في جامعة شيكاغو أنه عندما تم وضع فأر واحد بالقرب من فأر آخر مسجون، فإن الفأر الحر سيفتح الخلية لإنقاذ زميله. شيء لن يفعله لجرذ لعبة. علاوة على ذلك، عندما يعطى الاختيار بين إنقاذ زميله الفأر والحصول على بعض الشوكولاتة اللذيذة، فإن الفأر الحر سيفتح الخلية ثم يتقاسم الطعام. وهذا من شأنه أن يعطي مؤشرا على أن التعاطف، رغم أنه في شكل بدائي عند الفئران، ربما يكون شاملًا بين الثدييات. فإنّ دراسة التعاطف عند الحيوانات يمكن أن يشرح لنا كيف تطوّر التعاطف عند الإنسان.
ومع ذلك، قد لا تكون نتائج مايسون حاسمة تمامًا. يقول أليكس كاتيلنيك، وهو عالم بيئة سلوكي، بأن مايسون كانت ببساطة ترمي المشاعر والعواطف الإنسانية على "عمليات الإنقاذ" هذه التابعة للفئران؛ الميل المعروف باسم Anthropomorphism. "ليس لدينا دليل على أن هناك تجربة داخلية تقود الحيوان للقيام بذلك. هل يختبر أي عاطفة عند مساعدة شريك؟ قد يكون كذلك ، لكننا لا نعرف."
هذا لا يعني بالضرورة أن نتائج "مايسون" غير صحيحة. ولكنها توضح الصعوبة في دراسة التعاطف عند الحيوانات: على الرغم من سهولة مراقبة سلوك الحيوان، إلا أنه من المستحيل تقريبًا تأكيد الدوافع وراء هذا السلوك.
ومع ذلك، يمكن بوضوح استبان التعاطف بين الثدييات الأخرى، مع اختلاف القدرات بحسب الهيكلية الاجتماعية لدى الحيوان. لقد تطورت الكلاب لتعيش في مجموعة، مما أتاح لها الانسجام مع احتياجاتنا العاطفية، خاصة أن الرجل والكلاب عاشا معا لآلاف السنين، وهذا التعايش يمكن أن يكون السبب في تطور الأخير من ذئب الى كلب. القطط، تطورت لتكون من الصيادين الانفراديين، لذا تفاعلها مع الانسان أقل بكثير. أما القدرات العاطفية الأكثر إنسانية فقد تم العثور عليها في الشمبانزي والرئيسيات.
من المعتقد أن احتمال وجود التعاطف أكبر عند الأجناس الاجتماعية. يعتقد جيمس هاريس من جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة أن التعاطف هو "آلية تطورية للحفاظ على التماسك الاجتماعي. إذا كنت تتطور وكنت في مجموعة، فأنت تشعر أكثر مع الأعضاء الآخرين في المجموعة. "
"من الصعب التخيل أن التعاطف - وهو سمة أساسية وبدائية عند الانسان - انبثق الى الوجود فقط بعد أن انفصل نسلنا عن نسل القرد."
إذن، كيف يؤثر ذلك على تعريفنا للأخلاق والأخلاق؟
في العقود الأخيرة، كان هناك عودة الى الاهتمام بالفكرة القائلة بأن التعاطف هو مركز الحكم والتحفيز الأخلاقي. هذه ليست بفكرة جديدة، كل من الدين والفلسفة قد فضّل التعاطف، العطف أو المشاركة الوجدانية كمفتاح للفكر، السلوك أو الدافع الأخلاقي.
في كتابها "The Reflective Parent" ، غطت ريجينا بالي بإيجاز موضوع السلوك الأخلاقي كما يلي:
"يذهب الناس إلى مبنى محترق لإنقاذ شخص آخر. الأعمال البطولية الناتجة عن السلوك الأخلاقي، يقل حدوثها يوميا عندما نتجنب الاصطدام بالناس ونحاول ألا نؤذي مشاعرهم. تعتمد الأخلاقيات وصنع القرار الأخلاقي على قدر من التفكير العقلاني، ولكن معظمها يعتمد على القدرة على الشعور بمشاعر الآخرين وضيقهم. الكثير من سلوكنا الأخلاقي له علاقة بمنع الألم في الآخرين ويعتمد على الحس الادراكي المشترك للألم والاضطراب العاطفي. عندما نقوم بمسح دماغي لناس وهم يتخذون قرارات أخلاقية صعبة، فإن إحدى المناطق التي يتم تنشيطها هي القشرة الحزامية الأمامية "anterior cingulate cortex" - وهي المنطقة التي نختبر فيها الألم."
"لا تفعل بالآخرين ما لا تتمناه أن يحدث معك" - كونفوشيوس - حوالي 400 قبل الميلاد
لذلك، وبما أننا - البشر - كائنات اجتماعية، فإن الأخلاق التي هي قواعد السلوك داخل المجموعة أو المجتمع، ترتبط ارتباطًا مباشرًا بكيفية تصرفنا في هذا المجتمع، وكيف نتصرف تجاه بعضنا البعض. وإذا قمنا بتحليل قوانين الأخلاق، يمكننا أن نجد أن معظمها إن لم يكن جميعها، تقوم على مبدأ أن كل واحد منا يجب أن يفكر في مصلحة الآخرين لخلق الانسجام الاجتماعي في حياته. من دون التعاطف، لم يكن من الممكن أبدًا اعتناؤنا بعضنا ببعض.
من هنا، فإن ما نعتبره ساميا وبشريا، هو في الواقع عمل شائع للطبيعة منتشر بين الأجناس الاجتماعية. هذا لا يقلل من شأن واقع أننا متميزين وفريدين من نوعنا في مملكة الطبيعة. نحن الوحيدين القادرين على إصدار الأحكام عن ادراك ومعرفة في ما يخص سلوكنا وسلوك الآخرين، ولدينا القدرة على تغيير، عن وعي، الطريقة التي نتصرف بها.
الحروب والعنف؟ دوافع القتل موجودة في جينات الانسان
هل يقتل البشر بعضهم البعض لأنه في دمائنا، أم أن الأمر كله يعتمد على بيئتنا؟